لسان سليط
فاطمة عمارة
أقف في بعض الأحيان عاجزة عن مجارة النقاش الدائر أمامي، فقد وصل الحديث إلى درجة تستحيل مفرداتي مجاراتها، ليس لفقداني الحجة بل لعدم القدرة على استيعاب ما يقال من ألفاظ وعبارات ملئها صاحبها بالسباب واللعن وعيوب الغير وخرج بها عن الموضوع الجاري الحديث عنه، يحمل لسان سليط كالسوط يلهب الآذان ويُوجع الأنفس.

اتخذ البعض من ألسنتهم وسيلة إرهاب للغير، هؤلاء نجدهم في كل مكان لا علاقة لهذا بالمستوي الاجتماعي أو المادي، فصاحبه يخبئ  جوانب ضعفه "بطول لسانه" فيتحاشاه الناس لصعوبة مجاراته، فمثله لا يعتبر لشيء ويستخدم ما يعرف من عيوب أو نقائص في من حوله سلاح ضدهم، ومع انتشار وسائل التواصل الاجتماعي وجدوا ساحة أوسع ليفرغوا فيها من الكلمات ما شائوا دون رقيب أو حسيب، مرة بالمدارة وأخرى بتحديد من يقصدوا بكلامهم، كمدفع رشاش ينطلق في وجوه الجميع، ويتخذ من قوله تعالى (لَّا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَن ظُلِمَ ۚ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا عَلِيمًا) ذريعه لكل تصرفاته فهو يرى نفسه دائماً مظلوماً، ناسياً متناسياً أنها من صفات المنافقين التي ذكرها تعالى ﴿فَإِذَا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ﴾.

وحذر رسولنا الكريم صلي الله عليه وسلم من أن نتصف بهذه الصفه فقال : (إِنَّ شَرَّ النَّاسِ عِنْدَ اللَّهِ مَنْزِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَنْ تَرَكَهُ النَّاسُ اتِّقَاءَ شَرِّهِ) فاختيار الألفاظ والكلمات التي ننطقها في كل مجلس يقينا من الكثير من المهالك، فعندما يسبق اللسان العقل نفقد الكثير من رصيدنا لدي الناس، ورويداً رويداً يبتعد الجميع عنا اتقاء ألسنتنا،وهناك من فهم خطورة السلاح الذي يحمله وقدر أن الكلمة التي تخرج من معقلها لا سبيل لإعادتها، فأصبح يقيسها بميزان الذهب تخرج منه بمقدار وحساب، حفظ لسانه فلا يدع الغضب يتحكم فيه ويفقده الكثير من حقه إن كان صاحب حق.

قبل أن نستنكر انتشار البذاءات على ألسنة الأطفال والشباب فلننظر لأنفسنا كيف نتكلم ونناقش ونعترض، فالصغار مرآة لتصرفات الكبار، وقد نصح أحد الحكماء قائلاً (من غضب منك ثلاث مرات و لم يقل فيك شرًا اختره صاحباً)، فانتقي من تصاحب لترتقي كلماتك وتسمو روحك.


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

أراء حرة - رسالة من شرم الشيخ

«عمورى» على غلاف ألعاب الفيديو

سيارة الثورة