رؤية تأملية أم طريق للإلحاد

رؤية تأملية أم طريق للإلحاد:



رؤية تأملية أم طريق للإلحاد
فاطمة عمارة
جاهلة أنا
بالفلسفة ودروبها وأعلامها، وكل معرفتي بها أنها التفكير في الأشياء وأصلها
ونشأتها. ولهذا جذب انتباهي السجال الدائر أمامي ما بين مؤيد لها، فهي التأمل
العميق الذي يدفع الفكر البشري للتطور والانفتاح والتنوع، ومعارض يرى أنها باب كل
الشرور وأول الطريق للإحاد. لم يخلوا الصراع من وجود أسماء شخصيات عرفت هويتها
فيما بعد سقراط، أرسطو، ديكارت، نتشيه، شوبنهاور وغيرهم. انتهى دون اقتناع من أي
جانب بوجهة نظر الجانب الآخر تاركين ضحية فكرية خلفهم.
عزمت البحث والقراءة
سعياً للفهم، ليلتقطني سقراط في أولى خطواتي مشجعاً "الاعتراف بالجهل هو أول
خطوة لاكتساب المعرفة". ووجدت أنه من صاغ أسمها من الكلمتين اليونانيتين  "فيلو ، صوفيا" بمعنى حب الحكمة،
وجوهرها حب المعرفة وليس إمتلاكها، وأحد مظاهرها الأساسية هو التساؤل والتدقيق في
كل شيء والبحث عن
 ماهيته ومختلف مظاهره وأهم قوانينه، وحصرها على الرجال دون النساء، إذن
لم  أحد عن الصواب كثيراً.
ارتبطت تغيرات
النظم العلمية بالأنظمة الفلسفية حيث جُمعت دائماً على مر القرون الزمنية المختلفة
بالأُسس الفلسفية، فأصبحت فلسفة العلم مفهوم لا ينفصم عن العلم نفسه وإن كانت
ليست جزءاً منه. كانت البداية في هذا الترابط  في اليونان فتعمقوا في دراسة الفلك والطبيعة
والحياة والطب ومن هناك انطلقت المدراس الفلسفية المختلفة. ونتج عنها الشكل
المثالي للمدينة الفاضلة حيث تطرق فلاسفة اليونان للدولة والأخلاق وما يجب أن
يكونا عليه.
إذن فالفلسفة دعوة
للتفكير وإعمال العقل وترك المسلمات، فلماذا تكون طريقاً للإلحاد؟ تطبيقاً
لمبادئها، تعمقت ببحثي وتفكيري في أسباب تحريمها وإلصاقها بالكفر. التقيت بشبنهاور
وتلميذه نيتشه، وتوقفي عندهما لأن لهما أثر على الحياة السياسية الآن. فمن أفكار
نيتشه الممجدة للقوة خرجت نازية هتلر وفاشية موسيليني لتُطبقا ما نادى به في
الساحة السياسية مطالبين بالشعب القوى والجنس السامي المتفوق على غيره. تعرف على أستاذه
من خلال دراسته لكتابه "العالم كإرادة وتصور" وعلق على بدايته الأولى مع
الفلسفة قائلاً (إن الإلحاد هو الذي قادني إلى شوبنهاور).
فشوبنهار أقر بالإرادة
والإبداع والإتقان وأرجعها إلى الطبيعة أو المادة، ورأى فكرة الدين من صُنع البشر
لتفسير الأمور المجهولة لديهم والغرض منه تنظيم حياة مجموعة من الناس حسب ما يراه
مؤسس الدين وليس وفق احتياجاتهم الحقيقية، واستاحلة صدور الديانات كلها من مصدر
واحد. أما تلميذه الذي بدأ متديناً كإبن لقس إنجيلي سار في طريق رفض الأديان بل
وصل به الأمر إلى التهكم على الذات الإلهيه قائلاً "
 لقد مات الله" وطالب بإله شرير ماكر
عنيف هدَّام وأعتبر أن الإيمان بوجود إله تحقيراً للحياة وهروباً من المسئوليات
الملقاة على عاتق الإنسان.
وهب الله الإنسان العقل
الحكيم، فشطح من البعض التفكير أو غلبت الذات الحقائق. فالفلسفة في حد ذاتها ليست
المعرفة أو العلم أنما هي "حب المعرفة" نفسها، أن يمتلأ الإنسان بالفضول
الكافي للبحث والتفكير والتأمل ونقد ما يراه حوله من أمور، فإذا كان الأمر كذلك
فلماذا كانت نتيجته عند نتشيه وشوبنهار إنكار لوجود الإله في حين كان العكس موجوداً
عند أبن رشد وأبن سينا والغزالى وغيرهم؟ فتعظيم الذات الذي تزايد عندهم أدى إلى
هذه النتيجة وليست الفلسفة.
القارئ للقرآن يجد
عدداً كبيراً من الآيات التي تحث على استخدام العقل والتفكر فيما خلق الله بالكون
بل في أنفسنا أيضاً وتؤكد أن هذا هو السبيل الوحيد للتيقن من وجود خالق لهذا الكون
الواسع. وهذا يدعونا للتأكد أن الفلسفة هي رؤية تأملية ووسيلة للتفكير تساعد على
ترسيخ الإيمان إلا أننا لا يمكن إنكار أن طريقة تفكيرنا قد تقودنا إلى الطريق
المعاكس وتدفع بعض المتشككين إلى هدم الدين وأسسه كما نعرفها، كما يقول فرانسيس
بيكون (التفكير السطحي يقود إلى الإلحاد، والتفكير العميق يقود إلى الإيمان). ولا
ننس أن الله تعالى ترك لنا حرية الإيمان به "فمن شاء فليؤمن ومن شاء
فليكفر".  
وقصة سيدنا
إبراهيم عليه السلام خير دليل على أن التفكير في الكون سيقود الإنسان إلى معرفة
الإله الخالق، فالمهم هنا هو المنهج المتبع وهدفه وكيفية تطبيقه. وأشهر من قام
برحلة من الشك إلى اليقين هو د. مصطفي محمود الذي أوضح أن (المفكر الحقيقي لا يجب
أن يؤمن بالأشياء طول الخط أو أن يكفر بها طول الخط ولكنه يعيد النظر دائماً فيها،
ربما في الطريق نحو الإيمان تحدث عثرات، لكنه يصل بالعقل والعلم في النهاية إلى
الحقيقة مادام مخلصاً وواعياً للفارق بين المناقشة بالعقل والجدل بالهدم).
انتهت جولتي بين
الفلاسفة وزاد شغفي للمزيد من المعرفة والقراءة عنها. أنها الرقي الفكري الحقيقي،
أصحابها رفعوا شأن العقل والجمال والأخلاق، رسموا للعلم خريطة ومنهاجاً وإن خالفها
القائمين عليه، قدموا للإنسان دعوة لمعرفة نفسه بنفسه حتى لا يكن تابعاً لأحد.
تأكد أن من يرميها بتهمة الإلحاد هو من يخاف من أن يتركه اتباعه إن أعملوا عقولهم
وفكروا وحللوا أوامره، فيهتز حينها منصبه ويتحطم صنم هالته المقدسة.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

مبروك.. معلش.. يا دى النيلة - الأهرام اليومي

حكم الهوى

إبن تائه وأب حائر