روح التنافس

روح التنافس:



روح التنافس
فاطمة عمارة
أن تحاول وتفشل فتقف لتعيد المحاولة هو وسيلة صحيحة لتحقيق النجاح، ولكن أن
يشجعك المنافس ويقف بجانبك حتى تستطيع تحقيق هدفك هذا هو النادر. قد تتسأل من أين
أتيت بفكرة أن يتساند المتنافسون؟ وكيف لهم أن ينسوا التحدي الحقيقي والمكسب الخاص
بهم في سبيل نجاحكم معاً؟ الإجابة ببساطة عندما يُغرس فيهم جوهر التنافس الصحيح من
الصغر.

حفلة نشاط مدرسي والبطل الصغير ذو الست سنوات ينفذ ما تدرب عليه من قفز
حاجز مرتفع يجلس يمينه زملائه منهم من أدى قفزته بنجاح ومنهم من ينتظر دوره، وعن
يساره يجلس أولياء الأمور وفي وسطهم والديه، وبجوار الحاجز جلست مدربته تنتظره
حماية له وإرشاداً إن احتاجه. نفس عميق وبدء الجرى وقفز ولكن لم تكن كافيه ليتم
مهمته ، ساعدته مدربته وسط تصفيق الزملاء وهدوء المشاهدين الكبار وبكلمات مشجعة
طالبته بأعادة المحاولة التي تكررت أربع مرات ليعود بوجه باكٍ وشعور بالخجل من فشل
يلازمه، وقبل أن يخطو خطوة جديدة فوجئ بزملائه يتركون أماكنهم ويلتفوا حوله مشجعين
له، ثوانٍ قليلة كانت كفيلة بأعادة ثقته ليعودوا لمجلسهم ويزيدوا من هتافتهم
المشجعة، ليأتي النجاح هذه المرة مع الفرحة الكبيرة للجميع. ما وصفته من موقف حدث
بالفعل في أحدي أنشطة المدارس السنوية ولكن في اليابان بلد القيم والتقاليد.

سباق للجرى خاص بأطفال ذوي الأحتياجات الخاصة، انطلق بسرعة كبيرة ما إن سمع
إشارة البدء، وبالفعل سبق الجميع وبقي خطوات قليلة ويصبح هو الأول وفجأة سقط أرضاً،
وقبل أن يبدأ محاولة الوقوف وجد يد المتسابق خلفه تمتد لتعاونه عليه، ليجتمع
المتسابقون حوله يتأكدوا من وقوفه ويصطفوا متشابكين الأيدي متجهين جميعاً لخط
النهاية، معلنين أن لا نجاح دون الجميع. وكانت المنافسة في أمريكا بلد الفرص
والنجاحات.  
وإذا نظرنا للماضي، تحديداً منذ أربعة وثلاثون عاماً في الدورة الأوليميبة
التي عُقدت في لوس أنجلوس بأمريكا، نجد لاعب الجدودو المصري محمد رشوان لقن العالم
درساً في الأخلاق الرفيعة والمنافسة الشريفة، عندما رفض استغلال إصابة اللاعب
الياباني المنافس ياسوهيرو ياماشيتا  (بطل
العالم وقتها) وفضل أن يخسر الذهبية بشرف على أن يفوز بالمركز الأول بدناءة.
 نُبل اخلاق اصيلة نفتقدها الآن.

نتمني جميعاً أن نكون المرتبة الأولى في كل شيء وليس الأمر له علاقة بمركز
في مسابقة، نرغب أن نملك الأكثر والأكبر من كل ما لدينا، فهذه طبيعة النفس البشرية
ولكنها صفة يمكن تهذيبها فنرضى برزق الله في المال والأبناء وغيرها. وينجح
الكثيرين في الوصول للرضا بما قسمه الله له ولكنه يفصل بعض الأمور ويخرجها من
عباءة الرزق ويعتبرها منافسه يجب أن يكون الأول فيها منها النجاح في التعليم
ويلحقه العمل.

لا أحد ينكر ضرورة الكد والاجتهاد فيهما، والتسليم أن التوفيق من الله تكليلاً
للمجهود المبذول. ولا مانع من تقديم العون والمساعدة لمن يحتاج حتى ولو كان
منافساً، فلا معنى للوصول للمرتبة الأولى دون منافسين حقيقين بنفس القوة والمستوى.
أما ما يحدث حقاً في مجتمعنا، أن يقوم البعض بإخفاء بعض المعلومات أو ادعاء عدم
المعرفة عند السؤال ليكون هو الشخص الوحيد الذي له التميز والأسبقية  في حين أن نجاح العمل الحقيقي في نجاح أفراده
والمتميز بينهم سيظهر تميزه دون الحاجة إلى اشارة.

التربية السليمة هي أساس غرس التنافس الشريف في الأبناء، ويبدأ عن طريق
المساواة بينهم وعدم مقارنتهم بعضهم ببعض أو بأندادهم ومعرفة مهارة كل منهم وما
يتميز فيه عن إخوته وتشجيعه عليها والأهم أن يفهموا أن التنافس لا يعني إنكار إيجابيات
المنافس ونقط قوته ولكن الاعتراف بها واحترام نجاحه وأن النجاح الحقيقي ينبع من
الثقة في النفس وما منح الله من قدرة مختلفة عن الغير.  

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

مبروك.. معلش.. يا دى النيلة - الأهرام اليومي

حكم الهوى

إبن تائه وأب حائر