الاستثمار فى البشر

الاستثمار فى البشر:



الإستثمار في البشر

فاطمة عمارة

آمنت دائماً بأن أفضل الإستثمارات تلك التي أضعها في أبنائي، فبحثت دائماً
عن ما ينمي لهم المهارات ويرفع من القدرات العقلية والبدنية وفي سبيل هذا لم أبخل
عليهم بمال، فتلك الأنشطة المتعددة آن ذاك كانت ذات تكلفة عالية لحداثتها في مصر
مع تقارب أعمارهم، وكان السؤال الدائم الذي يقابلني به الجميع "هل أشعر بفارق
ملموس ونتيجة حقيقية على أرض الواقع لما أبذل من جهد بدني ومادي في سبيل
هذا؟".

كانت الأغلبية في دائرة معارفي تعمل بمبدأ ترك ما يستند عليه الأبناء في
المستقبل، وذلك عن طريق انتهاز الفرص لحفظ مدخراتهم المالية في صورة عينية كشراء
شقة أو مصيف بالقسط، وقلة منهم هي التي حرصت على ممارسة الرياضة، وتساوت في نظرهم
كل المدارس ففي النهاية سيلجأ الجميع إلى الدروس الخصوصية فما الفارق حينئذ! ودفع
هذا التفكير الأبناء للنظر إلى المال كغاية وليس وسيلة لحياة كريمة.

الإستثمار في البشر لا يعتبر فكر جديد، فقد قامت دول بعد انهيارها التام
عليه، وخير الأمثلة اليابان وألمانيا، فبعد الحرب العالمية الثانية فقدت الأولي
جزء كبير من سكانها وربع ثروتها الوطنية، هذا غير تعاملها مع كارثتي
هيروشيما ونجازاكي بعد
إلقاء القنابل الذرية عليهما، واحتلتها الولايات المتحدة الأمريكية حتى عام 1952
أما الثانية فتقسمت إلى دولتين شرقية وغربية وفقدت ملايين من الجنود والمواطنين
وبعض مدنها مُحيت أجزاء منها تماماً كما فرضت كل من الولايات المتحدة الأمريكية
وبريطانيا وفرنسا سيطرتها على الجانب الغربي منها، والإتحاد السوفيتي على الشرقي.

لم تُكبل الأحداث ولا الطبيعة الصعبة لليابان
قدراتهم، فاتجهوا إلى استصلاح تلك الأراضي الوعرة المهملة في السابق ونصب أعينهم
انتاج زراعي كافي للسكان، وما ساعد على سرعة تحقيق أهدافهم الشعب المتحفز الراغب
بالثأر بشكل عملي، المنضبط لأقصي الدرجات، عمل إلى جانبه إدارة طبقت الأساليب
الحديثة وآمنت بفرق العمل المنسجمة ونشأت سياسة "العمل مدى الحياة" التي
تراجعت الآن ليحل محلها العمل بدوام جزئي والعمالة المؤقته لتوفير المرونة التي
يحتاجها سوق العمل حالياً، أما السر الحقيقي وراء هذا التطور السريع الذي لم
يستغرق سوي عقدين لتصبح اليابان ثاني أكبر اقتصاد في العالم عام 1968، هو الحرص
على تقاليد المجتمع والأخلاقيات الثابتة التي لا يمكن خرقها، فأصبح الشعب الياباني
يُقدس العلم والتعلم ويرعى المخترعين والمكتشفين.

تلقت ألمانيا الغربية دعم لإعادة الأعمار وكذلك
اُسقطت نسبة كبيرة جداً من ديونها وتم بناء الاقتصاد الألماني على أسس رأسمالية
حتى تمكنت من الازدهار مرة أخرى في السبعينيات من القرن الماضي، وفي المقابل لم
يلقي الجانب الشرقي أي دعم من الإتحاد السوفيتي واستمرت النظام الشيوعي مسيطراً
عليها حتى سقوطه في 1990 وعودة الوحدة الألمانية مرة أخرى.

النظريات الإستثمارية الجديدة تعتمد على إستثمار
الأفكار، فقد ابتكر إيتاى آدم نموذجاً جديداً للمستثمرين جوهرة هو فريق عمل وليس
منتج، وتعتمد نظريته على منح الفريق حرية التجريب والابتكار وليس التركيز على شخص
واحد فقط وبالتالي يمكن الوصول إلى شيء ناجح، وهذه ليست النظرية الوحيدة الموجودة
التى تبحث كيفية الاستفادة القصوى من القوى البشرية الموجودة فهناك غيرها الكثير
مما بحث المعادلة بين الأجور والوقت والطاقة للخروج بأفضل النتائج المرجوة.

الإنسان هو أصل تطور وتقدم كل شيء والأهتمام
بتطويره ورفع مستواه يكون بتوجيه من الدولة ويقابله تعاون وإيمان من أفرادها،
ويبدأ من غرس أخلاقيات وقيم مجتمعية قوية يرافقها تعليم قوى وصحة سليمة، قد نحتاج
إلى بعض الوقت للوصول إلى ما حققه غيرنا في مدة أقل ولكن تحقيقة ليس مستحيلاً فقط
يحتاج منا الإيمان به.





تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

مبروك.. معلش.. يا دى النيلة - الأهرام اليومي

حكم الهوى

إبن تائه وأب حائر