وضاعت الرحمة

وضاعت الرحمة:







وضاعت الرحمة
فاطمة عمارة
قطع تركيزى على
الكتاب بين يدى اصوات لمشاجرة ما .. لم اهتم فى البداية ومع استمرارها وارتفاعها
المتزايد افترضت وقع حادث لم اتبه له ، ذهبت لاستطلع الامر ولم اجد أى حادثة ..
إلا ان الاصوات ما زالت مرتفعة وغضبها واضح ..بدأت عينى تبحث عن المصدر حتى وجدتهم
على ناصية الشارع المجاور حيث احد مراكز العناية بالسيارات والتى قرر صاحبة توسيع
خدماته واضافة مقهى يحتل الرصيف.
واول ما خطر فى
بالى لماذا يعاملونه هكذا ؟ عذراً نسيت وانا اسرد لكم وقائع المشاجرة ان اذكر
اطرافها .. المتهم هنا انسان حكمت عليه ظروف الحياة ان يكون مشرداً ممن يطلق عليهم
مجاذيب وهو يسير بشكل يومى فى الشارع من ميدان رمسيس إلى العباسية أما الطرف الاخر
فهو عامل المقهى ومن يساندة من عاملين فى المقهى .
البداية كان
التدافع ومحاولة ابعادة عن منطقة رص المناضِدُ والكراسى على الرغم من عدم وجود
زبائن عليها .. ثم ظهر احد الاشخاص يحمل فى يده قطعة من الملابس القطنية .. فتبادر
فى ذهنى انهم يمنحونه ملبس جديد وهو فى حالة رفض ولكن التدافع والتشابك بالايدى
لغى الفكرة ليتطوع احد سكان العقار المطل مباشرة على المقهى بالنزول ويحمل فى يده
قميص اخر يلقيه فى وجه ثم يحملة من تلابيبه مستفيداً من بنيته الاقوى وضعف المسكين
ليضعه فى الزاوية محاصر ويرتفع الصوت مرة اخرى ويحاول الفكاك بلا فائدة وما اصابنى
بالذهول ان اثنين من الشباب احضرا حبل انشرح وجهه عامل المقهى برؤيته واخذه منهم
ليضعه حول رقبة خصمه من الخلف فى محاولة لخنقة.. غريزة البقاء اشتعلت لديه واستطاع
فك مشنقته وسار منفعلا فى اتجاة معاكس لارى جلبابة المهترئ طائراً فى الهوا وهو
يجرى وسط السيارات كما ولدته امه.
لم استطع
الاستمرار فى مشاهدة الوسائل المختلفة للتعذيب والاهانة والتى استمرت على مدى
ساعتين .. وعندما خرجت لارى المحصلة النهائية لتلك المذلة وجدته يجلس على الارض
ظهره للحائط فى المكان الذى اختاره من البداية وقد لفة بملائة سرير كاشفاً كتفه
الايمن كالحاج .. ظهرت ابتسامة داخلى لقد انتصر الضعيف لرغبته .
تذكرت اثناء كل
هذه الاثارة صور تداولت على الفيس بوك لمجموعة من الشباب يعتنى برجل من المشردين
قصوا اظافره وشعره وحمموه والبسوه الملابس النظيفة .. الفرق شاسع بين المشهدين ..
لقد قدم الله الرحمة على الصلاة فى قولة تعالى 
"مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى
الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ تَراهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلًا
مِنَ اللَّهِ وَرِضْواناً سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ﴾
فبرغم القوة والشدة التى يتصف بها المسلم فهو رحيم بين الخلائق، فلا خير فى امة لا
يتسامحوا ولا يرحموا بعضهم البعض. والرحمة مرتبطة بالايمان لقوله صلى الله عليه
وسلم "لن تؤمنوا حتّى تراحموا. قالوا: يا رسول الله كُلُّنا رحيم. قال: ليس
برحمة أحدكم صاحبه ولكنّها رحمةُ العامّة " اى الرحمة بالغريب .
لقد كتب الله عنده فوق العرش " إِنَّ
رَحْمَتِي سَبَقَتْ غَضَبِى " فلنسعى ان تكون بيننا رحمة حتى نجد رحمته فى
الاخرة فمن لا يرحم لا يُرحم.  






 


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

مبروك.. معلش.. يا دى النيلة - الأهرام اليومي

حكم الهوى

إبن تائه وأب حائر