الواحة

فاطمة عمارة

يلجأ البعض إلى العالم الافتراضي للهروب من كأبة الحياة، وبحثاً عن سعادة مفقودة، يبني فيه كل ما يحلم بدءاً من شكله وشخصيته وحتى عمله الناجح، هذا أصبح واقع نحياه الآن، وبالتأكيد التطور التكنولوجي السريع سيصل بنا إلى آفاق أكبر وأوسع وأكثر تباعداً عن واقعنا.


هذا ما تخيله الكاتب إيرنست كلاين في روايته ready player one  والتي تحولت إلى فيلم سينمائي من إخراج ستيفن سبيلبرج عُرض في مارس 2018، تدور أحداثه في عام 2045 حيث يتم استخدام برنامج واقع افتراضي اسمه الواحة يحيا فيه  الكبار والصغار وداخلة يمكن أن تصبح أي شخص ترغبه، فلا أسماء أو هويات حقيقة، وضع مصمم اللعبة داخلها قبل وفاته تحدى من يفوز به يمتلك ويتحكم في الشركة المالكة لها على أرض الواقع.

لخص رسالته في النهاية على لسان صانع اللعبة "أنا صممت الواحة لأنني لم أشعر قط بالراحة في العالم الحقيقي، لم أكن أعرف كيفية التواصل مع الناس هناك، كنت خائفاً طوال حياتي حتى علمت أنها شارفت على الانتهاء، حينها أدركت بقدر كون واقع مرعب ومؤلم، إلا إنه أيضا المكان الوحيد الذي يمكنك فيه العثور على السعادة الحقيقية، لأن الواقع حقيقي ". 

رسالة صريحة وواضحة يمكن أن نعتبرها صرخة وسط عامل محموم وراء الابتكارات التي تزيد تباعدنا حتى لو لم تفصل بيننا المسافات وكلها ترفع شعارات تهدف لمزيد من التواصل والتقارب، من ينظر حوله يجد الوجوه موجه إلى تلك الشاشات الصغيرة بين أيديهم والبسمات تُرسم على الشفاه وقد يتطور الأمر إلى ضحكات بغض النظر عن المكان أو المناسبة، يسعى الجميع إلى توثيق أحداث يومهم السعيدة والحزينة بكافة الأشكال، كلمة أو صورة أو مقطع فيديو، والمعدل يختلف كلٌ حسب مقدار انغماسه داخل حدود عالمه الافتراضي، فالمعدل يتراوح بين دقائق وشهور.

لا أحد يطالب بالبعد عن وسائل التواصل الاجتماعي أو الألعاب الافتراضية ولكن استخدامها كوسيلة للهروب من واقع يؤلمنا هو الخطر في حد ذاته، فمهما كان هذا العالم المغري يحمل بين صفحاته سعادة أو فرح إلا أنها في النهاية وهميه ومؤقته كقرص المسكن الذي تتناوله عند الشعور بالصداع والذي يتحول لإدمان عندما تفرط في تناوله وليس هذا فحسب بل قد يصيبك بالعديد من الأمراض العضوية، فمعنى إنك تشعر بعدم الراحة في مكانك أو عدم التأقلم وسط مجتمع وُجدت فيه فكل ما عليك القيام به كما ينصح جيم روهن هو تغيره فأنت لست شجرة.

ready_player_one#

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

مبروك.. معلش.. يا دى النيلة - الأهرام اليومي

حكم الهوى

إبن تائه وأب حائر