غزو ناعم

غزو ناعم:



غزو ناعم
فاطمة عمارة
عندما خرجت دول الاحتلال من الوطن العربي بجيوشها، عرفت حينها أن العودة
لما كانت عليه من سيطرة على الأوطان لن تكون إلا إذا احتلت عقول الشباب، فبعد حروب
عدة شغلت المنطقة العربية بدء الغزو الناعم للمجتمعات، غزو ثقافي الكل يراه،
وصرخات تحذير أطلقها البعض ولكن كالمسحور يسير خلف عصاة الساحر مسلوب الإرادة
والقوى سرنا.
البداية كانت مع وجودهم في بلادنا، إرساليات خاصة تستتر تحت غطاء الأعمال
الخيرية ومدارس تابعة لها تُعلم طبقة قادرة من الشعب اللغات الأجنبية ومعها
الأفكار المستترة لسلوكيات المجتمعات الغربية لتصبح فيما بعد هي مقياس التحضر الذي
يقاس به الإنسان، ورويداً رويداً تبنت وزارة التعليم أدخال اللغات إلى مدارسها في
البداية كمستوى رفيع ثم كلغة تُدرس بها المواد العلمية في المدارس المميزة.
رافق التعليم غزو سينمائي وتلفزيوني ناعم، فمن أصبح لغتهم الأولي هي اللغة
الأجنبية يبحثون عن الثقافة بها، ومع تطور المجتمع وانفتاحه الكبير على العالم
تعلقت أنظار الشباب إلى ما يرتديه أمثالهم في الغرب من ملابس، وأصبحت الموضة الهوس
الكبير للشباب والفتيات، والتقليد الأعمى لما يُقدم من تصميمات غريبة تتنافي مع
تقاليد مجتمعاتنا هو السمة السائدة بينهم، فظهر السروال الممزق والذي بدء بكشف
القليل من السيقان لتتسع قطعاته لكشف المزيد، ولم يكتف صانعو هذه الصرعة الغريبة
بهذا بل طوروا من منتجاتهم لنجد القمصان القطنية الممزقة لتلحق بها أحذية من
القماش الممزق وختموها بالسروال المبتل كالأطفال الصغار. 
نسى هؤلاء أن ما يرتدوه هو ما يقدمهم للعالم حولهم وأن ملابسهم هي لغتهم
الخاصة التي تصف شخصيتهم ومجتمعهم وأن تحولهم لمجرد نماذج مشابهه لشباب الغرب
يُضيع هويتهم وتميزهم عن غيرهم، كأن نصيحة المصمم العالمي جيانى فيرساتشي لم تمر
عليهم " لا تترك نفسك للسائد، لا تجعل الموضة تمتلك، ولكن قرر أنت من تكون،
وما تريد التعبير عنه بالطريقة التي ترتديها والتي تعيش بها".
 والمتتبع للشخصيات الناجحة
العالمية في مجالات التكنولوجيا الحديثة مثل بيل جيتس وستيفن هوبكنز وحتى مارك
زوكربيرج صاحب الفيس بوك يجد بساطة في ملبسهم ولا تتبع موضة أو مصمم مشهور، فقد
حرصوا على بناء أنفسهم لا مظهرهم.
إن قمة العالمية الانغماس في المحلية، لا أحد يطلب من الشباب العودة سنوات
للماضي والعالم كله يسير بسرعة الضوء إلى الأمام ولكن عليه أن يحكم عقله ويراعى
الذوق العام أثناء اختياره لملابسه، فيتخير ما يناسب مجتمعنا فالفطرة التي فطر
الله الإنسان عليها هي الستر لقوله تعالى (فَأَكَلَا مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا
سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ)، ولا ينسى
أن جمال المظهر يكون بتناسق الألوان والهندام، فببساطة قل لي ماذا تلبس أقول لك من
أنت.

#الموضة
#فيرساتشي #بيل_جيتس #ستيفن_هوبكنز #مارك_زوركربيج #فيس_بوك#ارساليات #اعمال_خيرية




تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

مبروك.. معلش.. يا دى النيلة - الأهرام اليومي

حكم الهوى

إبن تائه وأب حائر