مُسلم به

مُسلم به: مُسلم,به



مُسلم به
فاطمة عمارة
تخيل إنك لا ترى من الدنيا سوى اللونين الأبيض والأسود، ثم تأتي إليك هدية
مجرد نظارة شمسية لترى بعدها الألوان كلها، للحظة لا يستطيع عقلك استيعاب الفرحة
لتنهمر الدموع وتتعالى الصحيات منك وممن حولك، هذا ليس خيال إنه حقيقة يعيشها
البعض ممن لديهم عمى ألوان، سواء كان بسبب وراثي أو عطب في عصب العين أو كان أحادي
فيرى ما حوله كفيلم قديم أو ثنائي فلا يميز بين لونين ففي النهاية يشعر صاحبة
بالعجز بعض الأحيان والنقص أحيان أخرى.
سُجلت لحظات التحول ونشوة النصر على العجز دقائق قصيرة في فيديو يتم تداوله
على وسائل التواصل الاجتماعي، بكيت وضحكت معهم، ولسان حالي كم نحن بلا حول منا ولا
قوة، وكم نسينا الكثير من النعم كأمر طبيعي أن نكون عليه، فنحن ندور بين تروس
الحياة بسرعة كبيرة تجعلنا ننغمس في مشاكلنا ونتقوقع داخل دوائرنا فننسي ما رزقنا
به ونبحث فقط عما ينقصنا.
اتسعت دائرة التفكير لأجد أن هذا السلوك امتد ليشمل تعاملنا مع بعضنا
البعض، فأصبحت بعض التصرفات من الأمور المُسلم بها بل وننتظرها ونحزن ونغضب إذا لم
يقم صاحبها بها مرة أخرى لأي سبب كان، فإذا اعتدنا التحمل من شخص ما نصاب
بالاندهاش عندما تخور قواه يرتفع صوته بالصراخ رافضاً المزيد من الضغوط، ومن اعتاد
المسامحة الدائمة مهما قال أو فعل تفاجأه ردود الفعل المخالفة، وهناك من اعتاد
الدلال، ومن ألقي المسئولية على أكتاف غيره، وغيرها من أمور قد تبدو في أين
المتلقي بسيطة وعادية وهي كبيرة لمن يقوم بها.
قد يتساءل البعض ولماذا قام بها من البداية؟ تعددت الأسباب، فهناك من
يفعلها بدافع الحب ومن يفعلها بغرض التعاون وآخر للعشرة و"العيش والملح"
كما يقال دوماً، وليس معنى توقفه عنها أن سببها انتهى ولكنكما يقال لقد طفح الكيل،
حيث تأتي لحظة مع الأنسان ويقف فيها مع نفسه يعيد حسابته ويرى كم يمنح من نفسه
بسخاء وفي المقابل يجد أنانية في الطرف الآخر فهو لا يمنح حتى النُذر البسيط من
مشاعر الشكر والامتنان فقد تحول الأمر من تطوع قام به إلى واجب عليه.
لقد اصابنا العمى في علاقاتنا فأصبحت بلا ألوان، غير المقصود أن تتحول
العلاقات إلى مجرد منافع متبادلة ولكن أية علاقة كوردة رقيقة تنمو وتكبر برعاية
طرفيها وأن تكون كفتي ميزانها تقارب التساوي فلا يجور أحدهما على الآخر ويصبح عليه
الرعاية والعناية بتلك الزهرة بينهما حتى تترعرع وتبقي نضرة طول الوقت، نحتاج
لتقيم شامل عادل بيننا وبين أنفسنا نرتدي فيه نظارة تُساعدنا على رؤية عيوب
نتجاهلها فينا وميزات وتضحيات اعتدناها ممن نهتم بهم ويهتموا بنا فلا شيء في
الحياة "مُسلم به".

الكلمات الدالة:
#عمى_ألوان #وسائل_تواصل_اجتماعي #نظارة #علاقات_اجتماعية #تقيم


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

مبروك.. معلش.. يا دى النيلة - الأهرام اليومي

حكم الهوى

إبن تائه وأب حائر