من المحن منح



من المحن منح: من,المحن,منح



من المحن منح
فاطمة عمارة
جلست جواري تحمل همومها على اكتافها، ورغم صمتها إلا أن خلجاتها تشي
بانتفاضه روحها كل فينة وأخرى، وتكشف عن حديث نفسها أن تكاشفني وتُفرغ قليلاً من
احزانها معي لعل وعسى يكون الحل في جعبتي، تركت لها مطلق حرية البوح عندما حانت
لحظة القرار، ورافق الحديث بعد الآهات والكثير من الدموع، وانتهى بهدوء ونظرة أمل
متعلقة بشفتاي وما سيصدر عنها من كلمات.
اجبت نظرتها بابتسامة هادئة قبل أن اسألها لماذا تنظر للأمر كأزمة صعبة
عصفت بها؟ ألا ترى بين جنباتها ميلاد شخصية جديدة قوية لها بعد أن كانت حسب كلامها
وما ألمسه بحكم المعاملة بيننا انطوائية معتمدة على غيرها في ترتيب شئونها، ذكرتها
بما قاله الله تعالى (لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ
لِكُلِّ) وأن كل محنة داخلها منحة تفوتنا بانشغالنا بمحاولتنا عبور ما نراه ازمة
لا يمكن الفكاك منها.
إن في قصة العبد الصالح وسيدنا موسى عليه السلام الكثير من الدروس، فها هو نبي الله وكليمه وصيفه يجهل الحكم الخفية وراء تصرفات يبدو ظاهرها
شر خالص سواء ثقب السفينة أو قتل الغلام وحتى عند أقامه السور فهو أمر غير طبيعي
مع سوء معاملة أهل القرية لهما ولكن كل فعل منها كان وراءه سر لا يعلمه إلا الله
وهذا العبد الذي وُهب العلم اللدني.
ولا ننسي تلك الواقعة التي رواها استاذنا أنيس منصور رحمة الله عليه فقد
كان من المقرر أن يسافر إلى سويسرا مع بداية عمله في جريدة الأهرام إلا أن اتصال
من والدته وشعوره بتوعكها جعله يعيد تذكرة الطيران للشركة في نفس الوقت الذي تبحث
فيه الفنانة كاميليا عن تذكرة لتسافر للعلاج هناك وتحصل على تذكرته، وتسقط الطائرة
في أغسطس 1950، ليحكي تلك القصة في مقال منشور له ويقر أن كاميليا انقذته من
الموت، بالتأكيد أنه قبل سقوط الطائرة كان يشير بخسارة تلك الرحلة وتحول حاله
عندما انكشف له الأمر.
إيماننا بأن هناك خير لكل ما يحدث لنا من أحداث بخيرها وشرها جزء أساسي
لتجاوزها، ونظرتنا السطحية للحياة تجعلنا نأخذ بظواهر الأمور، فهذا رُزق المال
والبنون فهو في نعيم ولا نعلم أن وراء الظاهر مشاكل خفية قد يكون مرض أو ابتلاء في
الدين وآخر نراه في ضيق حال إلا أنه سعيد ويعيش نعيمه الداخلي، فمواجهة المحن
بالصبر عليها والثقة أنها الخير لنا فلولا النار ما تحول الذهب إلى قطع ثمينة.


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

مبروك.. معلش.. يا دى النيلة - الأهرام اليومي

حكم الهوى

إبن تائه وأب حائر