لبن العصفور

لبن العصفور:

لبن العصفور
فاطمة عمارة
كنت في صغري أملك عصافير ملونة لها بيت خشب أمضي
لحظاتي اراقبهم واستمع إلى أصواتهم العذبة حتي اعتصمت أحداها داخل البيت الخشب
وفهمت من والدي إنها ترقد علي البيض وأن هناك عصافير صغيرة جديدة قادمة إلينا زاد
اهتمامي ومراقبتي لأري في صباح أحد الأيام قشورالبيض ملقاه خارج البيت والعصفورة
التي كانت حبيسة البيت ويدللها زوجها خرجت تشرب وتآكل ثم تعود بسرعة داخل البيت ولأشبع
فضولي حاولت النظر من الباب الجانبي لبيتها لأجدها تضع الطعام الذي تناولته داخل
منقار الصغير لأري لأول مرة لبن العصفور الذي يتحدثون عنه .. كبر الصغار وأصبح لهم
زغب صغير فأخرجوا رؤوسهم من فتحة البيت يصرخون طلباً للطعام واستمرت الأم فى
اطعامهم الحبوب وإحضارها لهم .. وفى يوم وقف أحدهم مكتمل الريش على العمود الخشبى
الصغير أمام فتحة البيت لأجد أمه تدفعه برأسها لأصرخ استنجاداً بوالدى أنها تُسقط
الصغير سيموت ليضحك أبى وهو يحتضنى لا تخافى أنها تعلمه أن يطير ويعتمد على نفسه.
والعصافير ليست وحيدة فى دفع أطفالها للأعتماد
على أنفسهم فهذا ما يفعله جميع المخلوقات .. تدلل الأبناء ثم تتركهم لمواجهة
الحياة بعد تعليمهم كيفية النجاة منها .. فالحيوانات المتوحشة تستمر لتقديم
فرائسها كوجبة سهلة للصغار ثم تبدأ فى تعليمهم الصيد فى البداية تحت المراقبة وبعد
ذلك بمفردهم .. فإن لم تستطع الاعتماد على نفسك تمت.. ولكن متى نترك أبنائنا وجهاً
لوجه مع الحياة ؟ متى نترك لهم إتخاذ قرارات تتعلق بهم ونثق أنهم سيحسنون الاختيار
بل ويتحملوا النتائج ؟ متى ننتقل من دور الحامى إلى دور المستشار؟
تلك الاسئلة كانت مناقشة حامية الوطيس ما بين
من يرى إنهم صغار لا يعرفوا ماذا يريدون ويقابلهم من يرى أنهم يعرفوا الكثير ولم
يُمنحوا الفرصة . تركت النقاش وسافرت مع أفكارى أتذكر عصفورى وأقارن بما يحدث على
أرض الواقع فى المجتمع حولى .. لا أستطيع أن أدعى أن الجميع هكذا ولكن فى دائرة
معارفى .. ففى الواقع أصبح دور الحماية الذى تتزعمه الأم ويتبناه الاب بالرعاية هو
المسيطر على سنوات نشأة الطفل .. فمنذ أن تبدأ عملية البحث عن مدرسة مناسبة "
الأفضل ".. تقرر عن الصغير الذى يكبر مع الوقت باقى شئون حياته .. فالملابس
وألوانها .. رياضة ليمارسها .. أصدقاء النادى والمدرسة .. ووصل الأمر إصرار البعض
على استمرار إطعام الأبناء بأنفسهم بدعوى أنهم لن يعرفوا أو لن ينهى كل الطعام .
ويكبر الصغار وكل المطلوب منهم أن يأكلوا ما
يجدوه ويذاكروا ليحققوا المجموع الكبير .. ليدخلوا الجامعة فى المجال المحدد منذ
ولادتهم  .. ليعود هولاء ليشتكوا كيف أن
الابناء لا يتحملوا أى مسئوليه أى أن كانت حجمها .. ولكن هل هذا يكفى لينتبه هذا
النوع من الاباء فيمنحوا صغارهم استقلالاً متأخراً ؟ للأسف لا .. فقد قرروا
مساعدتهم على الاستقلال بحياتهم ولكن بطريقتهم .. فنجد من يملك سعة من المال أشترى
قطعة من الارض وبنى منزل متعدد الطوابق لكل أبن من أبنائه شقة ، ومن لم يملك يختار
الشقة المناسبة لإمكانياته ليسدد ثمنها على أقساط مناسبة.. خطة جاهزة مستمرة لدعم
الصغار.. وبالطبع بعد الزواج لا مانع من استمرار المساعدات بالكيفية التى تستجد.
إن الانسان كائن مستقل بذاته .. خلقه الله
بعقل يفكر.. فمن نحن لنقرر عدم قدرة غيرنا على التفكير وحُسن الاختيار؟ كل ما فى
الأمر أن نبدأ بتعليمهم كيفيه الاختيار منذ نعومة أظافرهم نضعهم فى موضع القرار ..
اختيار ملابسهم ، طعامهم ، ألوانهم المفضلة ، كُتب ليقرأوها .. نكن فى حياتهم
المستشار الناصح الامين .. دفة مراكبهم التى توجهم .. وإذا أسائوا الاختيار نكن
داعمين .. فلا تستمروا فى إحضار لبن العصفور فلا شئ جاهز فى الحياة. 




تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

مبروك.. معلش.. يا دى النيلة - الأهرام اليومي

حكم الهوى

إبن تائه وأب حائر